إن في القلب شعث: لا يلمه إلّا الإقبال على الله، وعليه وحشة: لا يزيلها إلا
الأنس به في خلوته، وفيه حزن
لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق: لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار
منه إليه، وفيه نيران حسرات
لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه
طلب شديد
لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب، وفيه فاقة
لا يسدها الا محبته ودوام ذكره والإخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد
تلك الفاقة أبداً
اكتَشفْ هؤلاء العابرين، حتماً سيكون فيهم مَن روحه شقيقة روحك، تتعارف فتتآلف، ولو لم تكن
قادرة على التفسير، فتتدافع
لقطع المفازة بفرح واغتباط، ولا تسمح لخطوات الحزن والإحباط أن تئد الطموح، أو توقف العطاء.
ظنوا أن النبي لا يحزن، كما ظن قومٌ أن الشجاع لا يخاف ولا يحب الحياة،
وأن الكريم لا يعرف قيمة المال
ولكن القلب الذي لا يعرف قيمة المال لا فضل له في الكرم، والقلب الذي لا
يخاف لا فضل له في الشجاعة
والقلب الذي لا يحزن لا فضل له في الصبر. إنما الفضل في الحزن والغلبة عليه،
وفي الخوف والسمو عليه
وفي معرفة المال والإيثار عليه